تكنولوجيا التضليل.. كيف تستخدم إيران الذكاء الاصطناعي للتأثير في الرأي العام الأمريكي؟

تكنولوجيا التضليل.. كيف تستخدم إيران الذكاء الاصطناعي للتأثير في الرأي العام الأمريكي؟

حقوق الإنسان في عصر المعلومات.. التصدي لتأثير التضليل الرقمي على نزاهة الانتخابات

حقوقية تونسية: المحتوى المضلل يمثل اعتداءً بالغاً على أسس حقوق الإنسان والديمقراطية

خبير تقني: الذكاء الاصطناعي يجعل الحملات التضليلية أكثر فاعلية عبر بيانات ضخمة

 

أصبحت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أداة قوية لتشكيل الرأي العام والتأثير على القرارات السياسية، تتعرض الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم لتهديدات متزايدة ومعقدة.

وتعد الانتخابات الأمريكية، باعتبارها رمزًا للديمقراطية الحديثة، هدفًا بارزًا لهذه الهجمات التي تسعى إلى تقويض النزاهة وحقوق الإنسان الأساسية في تقرير المصير. 

في هذا السياق، تتجه الأنظار إلى إيران كواحدة من الدول التي تكثف جهودها للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وفقًا لتقرير صادر عن شركة مايكروسوفت، تعتبر إيران من بين الدول التي استثمرت بشكل كبير في استغلال التكنولوجيا لأغراض سياسية، ويشير التقرير الذي صدر يوم الجمعة الماضي إلى أن إيران قد بنت شبكة من المواقع الإلكترونية التي تدعي أنها منصات إخبارية مستقلة، لكنها في الواقع أدوات للدعاية والتضليل. 

ومن بين هذه المواقع "نيو ثينكر" الذي ينحاز بشكل واضح إلى اليسار ويقوم بانتقاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشكل مستمر، بينما يستهدف موقع "Savannah Time" الجمهور المحافظ، مع التركيز على السياسة الجمهورية وقضايا المثليين.

ما يثير القلق هو أن هذه المواقع لا تعمل بطريقة تقليدية في نشر المعلومات المغلوطة، بل تعتمد بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي. 

وفقًا لمركز تحليل التهديدات التابع لشركة مايكروسوفت، فإن هذه المواقع تقوم بسرقة محتوى من مواقع أمريكية شرعية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الصعب جدًا على القارئ العادي التمييز بين الحقيقة والتضليل، وهذا النوع من الهجمات لا يهدد فقط الانتخابات الحالية، بل يضع الأساس لحملات تأثير مستقبلية قد تكون أكثر تعقيدًا وصعوبة في الكشف عنها.

وأشار المدير العام لمركز تحليل التهديدات كلينت واتس، إلى أن هذه الجهود ليست مجرد محاولات عشوائية للتأثير على الانتخابات، بل هي جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى جمع معلومات استخباراتية حساسة عن الحملات السياسية الأمريكية. 

وتستخدم إيران هذه المعلومات لتطوير فهم أعمق للبيئة السياسية الأمريكية، مما يسمح لها بتصميم حملات تأثير أكثر دقة وفاعلية في المستقبل، وتعتبر الولايات المتأرجحة، التي غالبًا ما تحسم نتائج الانتخابات الرئاسية، هدفًا رئيسيًا لهذه الحملات.

منذ مارس الماضي، شهدت الولايات المتحدة زيادة ملحوظة في النشاط الإيراني عبر الإنترنت، حيث تقوم مجموعات مرتبطة بالحكومة الإيرانية بانتحال صفة ناشطين اجتماعيين وسياسيين، وتروج لرسائل تحريضية تهدف إلى خلق حالة من الفوضى والعنف ضد الشخصيات السياسية، والهدف النهائي لهذه الأنشطة هو زرع الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية، مما يساهم في تقويض ثقة المواطنين في النظام الديمقراطي.

وفي محاولة أخرى للتأثير على الانتخابات، كشف التقرير عن أن مجموعة إيرانية مرتبطة بالحرس الثوري اخترقت حساب البريد الإلكتروني لمستشار سابق لحملة رئاسية أمريكية، هذا الحساب تم استخدامه لإرسال رسائل احتيالية إلى مسؤول كبير في الحملة، في محاولة لاعتراض رسائل أخرى ذات طابع حساس، هذه الأنشطة تكشف عن مدى تعقيد وجرأة الهجمات الإلكترونية الإيرانية، التي لا تقتصر على نشر المعلومات المضللة فحسب، بل تشمل أيضًا محاولات مباشرة لسرقة معلومات حساسة واستخدامها في حملات تأثيرية.

في السياق الأوسع، ليست إيران الوحيدة التي تشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي من خلال التدخل في الانتخابات فقد حذرت مديرة الاستخبارات الوطنية، أفريل هاينز، من أن إيران أصبحت "عدوانية بشكل متزايد" في جهودها للتأثير على الانتخابات، مشيرة إلى أن طهران تسعى لإثارة الفتنة وتقويض المؤسسات الديمقراطية، كما فعلت في دورات انتخابية سابقة. 

ورغم أن روسيا كانت تعتبر حتى وقت قريب التهديد الأكبر على الانتخابات الأمريكية، فإن إيران باتت تشكل خطرًا متزايدًا، خاصة مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تضفي طابعًا من الدقة والفاعلية على هذه الهجمات.

في هذا السياق، أعلنت وزارة العدل الأمريكية الشهر الماضي عن تعطيل حملة تضليل روسية كانت تعتمد على "مزرعة روبوتات" تعمل بالذكاء الاصطناعي. هذه الحملة كانت تهدف إلى بث الخلافات داخل الولايات المتحدة ودول أخرى من خلال إنشاء ملفات تعريف وهمية على منصات التواصل الاجتماعي مثل "إكس"، وقد تم تطوير هذه الحملة من قبل محرر كبير في "آر تي"، وهي مؤسسة إعلامية روسية مملوكة للدولة، بتمويل من الكرملين وبمساعدة ضابط في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.

ومع ذلك، يشير تقرير لموقع "أكسيوس" إلى أن إيران قد تكون الآن التهديد الأكبر على الأمن القومي الأمريكي في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة. كما ينقل التقرير عن مسؤولين قولهم إن إيران وروسيا أصبحتا أكثر جرأة في هجماتهما على الانتخابات الأمريكية، مع توقعات بأن تشهد المرحلة الأخيرة من الانتخابات مزيدًا من الفوضى والتلاعب. 

وكشفت شركة غوغل مؤخرًا عن أن قراصنة مدعومين من إيران استهدفوا الحملتين الانتخابيتين للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس وخصمها الجمهوري دونالد ترامب، في محاولة لاختراق أنظمتهما وسرقة معلومات حساسة.

في تطور آخر، أعلنت شركة "أوبن إيه آي" عن إغلاق حسابات مجموعة إيرانية استخدمت روبوت الدردشة "تشات جي بي تي" لتوليد محتوى يهدف إلى التأثير على الانتخابات الأمريكية والقضايا العالمية مثل الصراع في غزة ودور إسرائيل في الأولمبياد. ورغم أن هذه المنشورات لم تحقق تأثيرًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذه الحادثة تسلط الضوء على اتجاه جديد ومقلق في استخدام الذكاء الاصطناعي للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وتظهر كل هذه الأحداث أن تهديدات التدخل في الانتخابات لم تعد تقتصر على نشر المعلومات المضللة فقط، بل أصبحت تشمل استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق أكثر تعقيدًا وخطورة، هذه الأدوات الحديثة تمكّن الدول مثل إيران من تنفيذ حملات تأثيرية دقيقة تستهدف الفئات السكانية المختلفة، مما يزيد من صعوبة اكتشاف هذه الهجمات ومواجهتها.

ويرى خبراء، أنه في ضوء هذه التحديات، يصبح من الضروري تعزيز الجهود الدولية لمواجهة هذه التهديدات وحماية نزاهة العمليات الانتخابية. فحماية حقوق الشعوب في تقرير مصيرها تعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومات والمجتمعات المدنية على التصدي لهذه التدخلات الخارجية، فيجب على الدول أن تستثمر في تطوير تقنيات جديدة لرصد وكشف الأنشطة المضللة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الدول لمواجهة هذه التهديدات العابرة للحدود.

وينبغي على منصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا الكبرى أن تتحمل مسؤولياتها في منع استغلال تقنياتها لأغراض سياسية ضارة، الشركات التي تطور أدوات الذكاء الاصطناعي يجب أن تكون على دراية بتداعيات منتجاتها على الأمن القومي وحقوق الإنسان، وعليها أن تتخذ الخطوات اللازمة لضمان عدم استخدام هذه الأدوات في تهديد الديمقراطيات.

ويمثل التدخل في الانتخابات انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وللقيم الديمقراطية التي تقوم عليها المجتمعات الحرة، ومع تزايد تعقيد هذه الهجمات، يصبح من الضروري أن نكون على قدر من الوعي والحذر لمواجهتها. فالمعركة للحفاظ على نزاهة الانتخابات هي في جوهرها معركة للدفاع عن حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية وشفافية.

التضليل وتأثيره في نزاهة الانتخابات

وعلقت الحقوقية البارزة والبرلمانية التونسية السابقة، ليلى الحداد، بقولها، إن تداعيات المواقع الإلكترونية المزيفة والمحتوى المضلل تتعدى حدود التأثير المعلوماتي إلى التأثير العميق على الحقوق الأساسية والديمقراطية ذاتها، وإن ما نراه اليوم من تضليل عبر الإنترنت ليس مجرد ظاهرة تقنية، بل هو اعتداء على أسس حقوق الإنسان والديمقراطية، مما يستدعي تفكيرًا عميقًا حول كيفية تعويض الأضرار الناجمة وحماية حقوق الأفراد.

وأضافت "الحداد"، في تصريحاتها لـ"جسور بوست": تؤثر المواقع الإلكترونية المزيفة والمحتوى المضلل بشكل كبير على إدراك الناخبين وصنع القرار، وأحد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان هو الحق في الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة، وهو ما يعتبر حجر الزاوية في ممارسة الحق في التصويت بشكل مستنير، عندما تُغمر العقول بمعلومات مضللة أو زائفة، فإن ذلك لا يمس فقط جودة المعلومات التي يحصلون عليها، بل يشوه أيضًا عملية صنع القرار الديمقراطي، وتشكل هذه الحملة الهجمات الأساسية على القدرة الذاتية للأفراد على اتخاذ قرارات مبنية على الحقائق، مما يؤدي إلى قرارات انتخابية قد تكون مبنية على تصورات غير حقيقية أو مضللة.

وأكدت الخبيرة الحقوقية أن الآثار المترتبة ستكون أكثر دراماتيكية، عندما يتعرض الناخبون لتدفق مستمر من المعلومات الزائفة، فإنهم يفقدون الثقة في نزاهة العملية الانتخابية بشكل عام. وهذا الشعور بفقدان الثقة ليس مجرد تأثير سطحي؛ بل يمتد إلى الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية، ويشعر المواطنون بالقلق من أن عملياتهم الانتخابية قد تكون موجهة أو محرفة، ما يخلق بيئة من الشك وعدم اليقين التي تضعف الثقة في المؤسسات الديمقراطية ذاتها.

وقالت، من وجهة نظر حقوقية، يُعتبر الحفاظ على نزاهة المعلومات وشفافيتها حقًا أساسيًا يجب حمايته، المبادئ الحقوقية تدعم الحق في الحصول على معلومات صحيحة وموثوقة، وتدعو إلى حماية الأفراد من التضليل والمعلومات المضللة التي قد تؤدي إلى انتهاك حقوقهم في التعبير والاختيار الديمقراطي، إن أي شكل من أشكال التضليل الذي يؤثر على الناخبين هو اعتداء على هذا الحق، ويجب أن يكون هناك تعزيز للآليات القانونية والتقنية لمكافحة هذه الظواهر وضمان حماية حقوق الأفراد.

واسترسلت، يشدد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ضرورة أن يتمتع كل فرد بالحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلاده، وهو ما يشمل الحصول على معلومات دقيقة ومؤكدة للمشاركة بشكل فعّال. مؤكدة أن التلاعب بالمعلومات يضر ليس فقط بالأفراد، بل أيضًا بالعملية الديمقراطية برمتها، حيث يخلق بيئة من انعدام الثقة التي تقوض الأسس الديمقراطية.

ليلى الحداد

وأتمت، التصدي لهذه التهديدات يتطلب استجابة متعددة الأوجه، تشمل تعزيز الشفافية في الإعلام الرقمي، وتطوير أدوات وتقنيات للكشف عن المحتوى المضلل، بالإضافة إلى تعزيز الوعي العام حول كيفية التحقق من المصادر وفهم طبيعة المعلومات التي يتلقونها. حماية الحق في المعلومات الدقيقة ونزاهة العملية الانتخابية هي مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الحكومات والشركات والمجتمع المدني لضمان حقوق الإنسان في عصر المعلومات.

استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء المحتوى المضلل

وبدوره، قال الخبير التكنولوجي، المهندس محمد شكري الخولي، إن إيران بهذا الشكل تستفيد من الذكاء الاصطناعي لتصميم حملات تضليل أكثر تعقيدًا وفاعلية من خلال أدوات وتقنيات متعددة تعزز من قدرتها على التأثير في الانتخابات الأمريكية، وأحد أبرز التطبيقات التي تعتمد عليها إيران في هذا السياق هو إنشاء محتوى مزيف يتناسب مع الأنماط السلوكية والتفضيلات السياسية لجمهور مستهدف، وتستخدم إيران خوارزميات التعلم العميق لتوليد نصوص وصور ومقاطع فيديو تُعرض بطريقة تبدو أصيلة وموثوقة، مما يصعب على المستخدمين التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف. فهذه التقنية تتيح لها تطوير محتوى يتماشى مع توجهات سياسية محددة ويستهدف مشاعر معينة لدى الناخبين.

وتابع الخولي، في تصريحاته لـ"جسور بست"، من الأدوات التي تعتمد عليها إيران في هذه الحملات هي برامج التلاعب بالمحتوى الاجتماعي، التي تُستخدم لإنشاء حسابات وهمية ومزيفة على منصات التواصل الاجتماعي، وهذه الحسابات، التي تُدار بواسطة الذكاء الاصطناعي، تقوم بنشر المحتوى المضلل بشكل واسع ومنظم، مما يسهم في تعزيز الرسائل المضللة وتحقيق انتشار أوسع بالإضافة إلى ذلك، تستفيد إيران من أدوات تحليل البيانات الكبيرة للتعرف على نقاط الضعف في النظام الانتخابي الأمريكي وتحديد الأهداف الأكثر تأثيرًا.

واسترسل الخبير التقني، الذكاء الاصطناعي يجعل الحملات التضليلية أكثر فاعلية من خلال قدرته على التعامل مع كميات ضخمة من البيانات وتحليلها بطرق متقدمة، باستخدام أدوات مثل معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي، حيث يمكن للأنظمة الذكية تحليل مشاعر الجمهور واستهدافهم برسائل مخصصة تتناسب مع اهتماماتهم وتفضيلاتهم، وهذه القدرة على التخصيص تزيد من فاعلية الرسائل المضللة وتجعلها أكثر جذبًا للأفراد المستهدفين.

المهندس محمد شكري الخولي

واختتم الخولي حديثه قائلا، يساهم الذكاء الاصطناعي في تعقيد جهود الكشف عن المحتوى المضل، من خلال تقنيات التلاعب المتقدمة والتزييف العميق، ويصبح من الصعب على خبراء الأمن السيبراني والباحثين التمييز بين المحتوى الأصلي والمزيف، وهذا التحدي يفرض على الجهات المعنية ضرورة تطوير أدوات وتقنيات جديدة لمواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي في حملات التضليل، ولضمان الحفاظ على نزاهة المعلومات وحماية العمليات الانتخابية من التلاعب.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية